 |
د.علي صالح الخلاقي |
من مميزات العمارة اليافعية
التوافق مع البيئة المحلية
تعد يافع من المناطق الغنية بتراثها العمراني الفريد ، فبيوتها الحجرية الفخمة ومساكنها الجميلة ترتفع عاليا إلى ستة وسبعة أدوار، وتتميز بنسيج عمراني فريد يمثل وحدة عمرانية منسجمة ومتناسقة تنبض بالأصالة والعراقة والروعة. ومن أهم المميزات أو الخصائص المعمارية الفريدة التي لا تخطئها العين توافق العمارة اليافعية مع البيئة المحلية التي تعد الرافد والأصل الأساسي لهذا الفن المعماري، بل يجوز القول أن هذا الفن المعماري حصيلة تفاعل ذكاء الإنسان مع البيئة الطبيعية وتطويعه لها من أجل استيفاء حاجاته الجسمانية والروحية، المتمثلة بهذه التكوينات المعمارية التي يأوي إليها ويحتمي بها. ولمواد البناء أهمية بالغة في تشكيل المميزات العامة للعمارة اليافعية التي تعتبر انعكاساً للبيئة والتضاريس والمناخ، وبالتالي تتشكَّل تبعاً لتلك المؤثرات وتحاكيها الأمر الذي يؤثر في التصميم الإنشائي
يستخدم اليافعيون في تشييد بيوتهم الأحجار الجرانيتية المنحوتة بألوانها المختلفة وهي تتوفر في بيئتهم المحلية بوفرة وكذا الخشب والطين. والحجر هو أهم مواد
البناء وهو يستخدم في جميع أنواع المباني السكنية وغير السكنية في يافع، بما في ذلك السقوف الحجرية المَدّ المكونة من ألواح وصفائح حجرية رفيعة تُسمى "الصَّلا" تُرص متلاصقة ومتقاربة من أطرافها فوق الأخشاب.
تُختار أفضل الحجارة وأصلبها لبناء المساكن الرئيسية وهي تستخدم بسُمك كبير، بالكاد يحملها المرء وقد يتعاون في حمل بعضها أكثر من شخص أو عدة أشخاص خاصة الأحجار المستطيلة (السحابيل) أو حجارة المدماك الضخمة، ويستخدم البعض قوائم خشبية قوية تسمى (المعَشّة) توضع عليها الحجارة الكبيرة لحملها بيسر من قبل شخصين أو أكثر، حسب حجم الحجر.
وقد أثبتت التجربة أن الحجارة أفضل مواد البناء صلابة ومقاومة للزمن. ولعل الطبيعة الجبلية القاسية لمناطق يافع والمناخ البارد شتاءً قد جعل المسكن يكتسب أهمية بالغة عند اليافعيين منذ القدم، فنحتوا أحجاره يدوياً من الجبال المحيطة بهم ثم حملوها على الأكتاف والظهور أو على المطايا وشيدوا بها تلك القصور والحصون الشاهقة التي يعجز الوصف من رآها، ويزداد المرء انبهارا عند رؤيته لتلك الدور والقلاع القديمة المشيدة على بواذخِ الجبال والقمم الشاهقة، التي تحاكي البيئة المحلية بلون حجارتها، ويعجب كيف برع الإنسان في اتقان فن البناء وزخرفته وكيف نقل الأحجار إليها وهي في أماكن لا يمكن وصفها إلا بأنها ذات وعورة .
تقول أستاذة العمارة بجامعة لندن سلمى سمر الدّملوجي عن تقييمها للفن المعماري اليافعي مقارنة بالفنون المعمارية في المناطق الأخرى:" إن عمارة يافع هي عمارة حضرية (أي مدينية urbon ) تضاهي عمارة مدينة صنعاء وعمائر مدن شبام وتريم ووادي دوعن. طبعا هي بالنسبة للبناء بالحجر الأكثر تعقيدا وتطورا إذ إن حضرموت مبانيها من المدر وصنعاء من الياجور. وفنون هذه العمارة ترتبط بحرفة البناء وتتمثل بأشكال متغايرة من تجذيب الحجر ونحت أنواعه المختلفة من بناء قباب المساجد وقبور الأولياء وأشكالها البيضوية إلى حفر باطن "الخلل" وزخرفة السقوف، ولعلها فنون تجريدية إلا أنها تنصهر مع العمارة فتضفي عليها الصفة النحتية، وهذه صفة وميزة متفوقة في العمارة وخاصة عمارة القرن العشرين التي فقدت ملكة النحت والفن والروح"( ).
من كتابي فنون_العمارة_الحجرية_في_يافع
|