مسجد العيدروس..
أشهر الآثار الإسلامية في عدن الأخشـاب
المزخرفـة في المسجــد نقلت من
الهنــد
احمد الجبلي
يعد
جامع العيدروس واحداً من اهم الآثار الإسلامية
الشهيرة في مدينة عدن، ويعود تاريخه الى اوائل
القرن الهجري. ويقع
مسجد العيدروس في حي العيدروس بمنطقة

|
مسجد العيدروس كريتر عدن |
كريتر وينسب
المسجد والقبة الملاصقة لجداره الشمالي الى الشيخ
العارف بالله ابوبكر بن عبدالله العيدروس الذي
يقال انه قدم الى عدن حوالى عام 890هـ وتوفي فيها
في شهر شوال عام 914هـ كما هو واضح في التابوت
الخشبي الخاص به والموجود داخل القبة حيث كتب عليه
بخط النسخ تاريخ
وفاته. ويروى
عن اليشخ العيدروس انه كان من مشاهير الفقهاء في
عصره واشتهر في مدينة عدن وله العديد من المؤلفات
منها على سبيل المثال ديوان «محجة السالك وحجة
الناسك». وتقول
الروايات ان الشيخ العيدروس حينما قدم الى عدن من
حضرموت الى عدن استقر به المقام في هذه البقعة من
الارض، حيث كان يوجد مسجد صغير اغلب الظن انه كان
على طراز المساجد الصغيرة الاولى في الإسلام، واخذ
يلقي دروسه الدينية، واشتهر بعلمه الواسع بين
الناس، فاصبح له الكثير من التلاميذ والمريدين،
وذاع صيته ليس في عدن وحسب وانما خارجها
ايضاً.
وعندما توفي الشيخ العيدروس دفن في نفس
المكان وبني فوق ضريحه قبة الى الشمال من
المسجدوما يزال اهالي عدن وغيرهم من اليمنيين
يقومون حتى الآن بزيارة الإمام العيدروس في 13
ربيع الثاني من كل عام هجري،وتعتبر هذه الزيارة من
ابرز المناسبات الدينية التي يحتفل بها اهالي عدن
ويستعدون للاحتفال بها قبل فترة من حلولها فيعملون
على تزيين مسجد وضريح العيدروس بالاعلام والانوار
والزينات، وتعم البهجة والفرح والسرور جميع احياء
مدينة عدن، وخلال فترة الزيارة تزدحم المدينة
بالزوار الذين يأتون اليها باعداد كبيرة من كافة
انحاء اليمن.
ولهذه
الزيارة والاحتفال بها قصة يرويها احد فقهاء عدن
فيقول ان الزيارة بدأت كمناسبة منذ دخول الإمام
ابوبكر بن عبدالله العيدروس الى عدن في 13 ربيع
الثاني 989هـ قادماً من تعز بعد ان ادى فريضة
الحج، وقبل دخوله الى عدن كان قد توفي في تعز
الإمام عمر بن عبدالرحمن فارسل اليه اهالي عدن
وعلماؤها برسالة يخبرونه فيها بقدومهم اليه
ليعزونه ولكنه اخبرهم بانه قادم اليهم، فخرج
الاهالي والعلماء والاعيان من عدن يستقبلونه الى
اطراف محافظة لحج وكان على رأسهم عامر بن
عبدالوهاب، احد كبار سلطة الطاهريين في عدن في
موكب مهيب، وتوطن بعدها في عدن واسس هذا المسجد،
ولم يبدأ الاحتفال به إلاّ بعد وفاته واستمر ذلك
حتى الآن.
ويقال
بان العيدروس كان يجمع التبرعات في حياته ويقوم
بشراء الملابس ويذبح الاغنام ويوزعها على الفقراء
والمساكين. ويقول الشيخ ابوبكر بن علي المشهور ان
الكثير من الزوار الآن يجهلون حتى السبب الذي
اقيمت من اجله الزيارة، فيعتقد البعض انها زيارة
للترفيه وآخرون يرون انها فرصة للاختلاط ومعاكسة
النساء بينما هي عبارة عن إعلام عن هذا الانسان
وموقعه الاجتماعي في هذا البلد والتغييرات التي
حصلت بدخوله الى هذا الواقع حتى صار رمزاً يحتفى
به، فالكثيرون لا يفهمون ادب الإسلام فكيف سيفهمون
أدب الزيارة وهي فرع من
الادب.
ولقد
توالت على مسجد العيدروس وقبته اعمال التجديد
والاصلاح لما للشيخ العيدروس من مكانة عظيمة في
عدن، وابرزها ما تم خلال الحكم العثماني في عدن،
إلاّ ان البناء الحالي للقبة والمدخل الرئيسي ربما
يرجع تاريخه الى حوالى عام 1274هـ كما ورد بالنص
التسجيلي الموجود على اللوح الخشبي الذي يغطي عتبة
هذا المدخل الرئيسي المؤدي الى القبة
والمسجد.
والمدخل الرئيسي هو عبارة عن مدخل بارز
مغطى بقبة ويصعد اليه عن طريق درجات سلم ويزين
القبة التي تعلو المدخل

|
سقف مسجد العيدروس خشبة منقوشه ومستورده من الهند |
زخارف نباتية وهندسية رسمت
بالالوان المائية فوق طبقة من الجص، اي بطريقة
الافريسك، ويتقدم المدخل عقد رائع، وهو نوع من
العقود انتشرت في العمارة الإسلامية في المغرب
الإسلامي ودخل الى مصر مع الفاطميين كما توجد
امثلة من العقود المفصصة في العصر العباسي المبكر
منها على سبيل المثال في واجهة باب بغداد في مدينة
الرقة يؤرخ بحوالى سنة
155هـ. أما
قبة الشيخ العيدروس فهي عبارة عن قبة كبيرة تغطي
حجرة مربعة تحتوي بداخلها على توابيت خشبية للشيخ
العيدروس وافراد اسرته وبعض اقاربه، وتقوم القبة
على منطقة انتقال من حنايا ركنية معقودة بعقد مدبب
وتزين القبة ومنطقة الانتقال من الداخل زخارف
رائعة بالالوان المائية قوامها اغصان واوراق
نباتية وزهور منها زهرة القرنفل وهي من الزهور
الشائعة في الزخرفة العثمانية وتفتح في منطقة
الانتقال اربع نوافذ للاضاءة والتهوية، كما تفتح
في جدران الحجرة اربعة ابواب بواقع باب واحد في كل
جدار وهو عبارة عن باب خشبي مستطيل تم تزيينه
بزخارف محفورة
رائعة. والمسجد وقبة العيدروس منارة عالية اصبحت
من معالم مدينة عدن، وتقع ملاصقة للجدار الشمالي
للقبة في الركن الشرقي وقد بنيت من حجر «الجبس»
الاسود وتتكون من بدن مثمن به ثلاث دورات خشبية
تنتهي بقمة على هيئة قبيبة صغيرة مضلعة،

|
سقف مسجد العيدروس |
ويلاحظ
قلة الفتحات في جسم المنارة، غير انه قبل الدورة
الثالثة توجد اربع مشربيات خشبية تبرز من جسم
المنارة ربما كانت لاستخدام المؤذن، ويوحي طراز
هذه المنارة بالتأثيرات الفنية في اساليب بناء
المنارات السائدة في شرق العالم الإسلامي «ايران
والهند» نظراً لموقع عدن الجغرافي وصلاتها مع
الهند خلال العصور
الإسلامية.
ويغلب
الظن ان مسجد العيدروس الحالي والذي يعود تاريخه
الى حوالى القرن 13 الهجري يعتبر من المساجد
اليمنية ذات الاروقة كثيرة الاعمدة وليس لها صحن
«فناء» اوسط والتي انتشرت في بعض مساجد اليمن
ومنها مسجد الاشاعر بزبيد (حوالى 405هـ) ومسجد
الشمسية بذمار حوالى
(947هـ).
وتمتاز الزخارف التي تزين مسجد وقبة
العيدروس بتنوعها من حيث الاساليب التطبيقية فالى
جانب استخدام طريقة الافريسك التي نفذت بالالوان
الاحمر والازرق والاصفر في تزيين قبة المدخل
البارز وقبة العيدروس من الداخل، يلاحظ روعة زخارف
الاخشاب التي استخدمت في الابواب والنوافذ
والتوابيت الخشبية التي بداخل القبة او في الدهليز
الذي يحيط بها من الشرق والشمال والغرب، وقد نفذت
هذه الزخارف الكتابية والنباتية والهندسية على
الاخشاب بالحفر والتخريم، ويقال ان هذه الاخشاب
نقلت خصيصاً من الهند الى عدن لاستخدامها في مسجد
وقبة الشيخ
العيدروس.
.
|